هاتف سماح المتربيعي المحمول لا يهدأ من أصوات إشعارات رسائل مجموعات (الواتس آب) لأبنائها الأربعة، تنهمك في مشاهدة فيديوهات شروحات الدروس، والتكليفات اليومية التي يطلبها معلموهم من فيديوهات مصورة وواجبات مكتوبة.
وفي هذه الأيام زادت الضغوط على المتربيعي، لأنها تتابع معهم المذاكرة للاختبارات بجهد مضاعف، إذ تؤدي دور المعلم أيضًا؛ فهي تعيد شرح الدروس وتحاول بأفضل طريقة توصيل المعلومة لأبنائها وتلازمهم في أثناء تقديم الاختبار الإلكتروني الذي لا يتعدى وقته 15 دقيقة، وفي حال انقطع الإنترنت خلالها لن تسجل لهم الدرجات.
إرهاق وضغط نفسي هكذا تصف المتربيعي (30 عامًا) -وهي ربة بيت- المرحلة الحالية التي تمر بها، قائلة لصحيفة "فلسطين": "التعليم الإلكتروني يفوق طاقتنا الأمهات؛ فنحن نلعب دور المعلم والأم في آن واحد، وهذا الأمر أثر على باقي مجريات حياتنا اليومية؛ ففي بعض الأحيان لا أتمكن من إنجاز أعمالي المنزلية إطلاقًا حتى أنتهي من المذاكرة لأبنائي".
وتضيف: "لا أجد وقت للراحة إطلاقًا، فكيف أجد وقتًا للتفريغ النفسي؟!، هذا يعد ضربًا من الخيال في الوقت الحالي، فكل ما أستطيع فعله هو إغلاق باب الغرفة والاسترخاء مدة ساعة مغمضة العينين حتى أستطيع مواصلة بقية اليوم".
الساعة الرابعة مساء يبدأ يوم فاطمة مدوخ لأنه الوقت الذي تصل فيه إلى بيتها بعد سبع ساعات من العمل موظفة في إحدى المؤسسات الخاصة، إذ تبدأ التحضير لوجبة الغداء لزوجها وأطفالها الثلاثة، وفي هذه الأثناء تستثمر الوقت في مراجعة رسائل الواتس آب لمعرفة الدروس والواجبات المطلوب من أبنائها تنفيذها.
تقول مدوخ من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة لصحيفة "فلسطين": "لا أدعي المثالية في المحافظة على هدوئي في أثناء المذاكرة لأطفالي، فكثير من الأحيان أشعر بالغضب والعصيبة لأن الوقت يدهمني ولا أكون انتهيت من مراجعة الدروس لأطفالي، في خضم سيل التكليفات اليومية المطلوبة منهم".
ولاستثمار الوقت اضطرت مدوخ إلى تخصيص معلمة لإعطائهم دروسًا خصوصية في بعض المواد التي يعاني أبناؤها ضعفًا فيها، كاللغة الإنجليزية والرياضيات.
وتضيف: "العصبية ليست من طبعي، ولكن خلال الأشهر الأربعة الماضية فقدت أعصابي بسبب الضغوط الهائلة الملقاة على عاتقي مع التعليم الإلكتروني والحجر المنزلي، حتى إنني في بعض الأحيان لا أحصل على نوم مريح ليلًا بسبب التفكير في كيفية الموازنة بين عملي وواجباتي المنزلية والمذاكرة لأبنائي".
وتكمل مدوخ: "أحتاج حقًّا إلى التفريغ النفسي، أشعر أني قواي قد خارت ولا أقوى على الاستمرار، كنت قبل فرض منع التجول الجمعة والسبت أذهب برفقتهم إلى متنزه عام ليفرغوا طاقتهم في اللعب، وحاليًّا أنزههم يوم الخميس ساعتين".
أما نورا حجازي فلا تجد وقتًا أو سبيلًا للترويح النفسي والتخفيف من الضغط الذي تشعر به مع انتشار فيروس كورونا، سوى البحث عن مكان هادئ في إحدى زوايا بيتها، والاكتفاء بشرب فنجان من القهوة مع قطعة من الشوكولاتة.
اللعب مع الأبناء أسلوب تتخذه هديل الحاج علي للتفريغ عن نفسها وأبنائها، فتشاركهم في لعب "أم التخباية" و"الحجلة" و"البرونجية"، التي رسمتها على ورقة كرتون مقوى، إذ يتنافس أبناؤها في الفوز بها حتى يحصلوا على الجائزة التي وعدتهم بها.
التكيف والترويح
بدورها تبين الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة أن الأسر تواجه أنماطًا جديدة من الضغوط، نتيجة جائحة كورونا والتفاعلات اليومية في الحياة الأسرية، وهذا يولد توترًا جديدًا.
وتوضح السعايدة لصحيفة "فلسطين" أنه مع انعدام سبل التعليم الوجاهي بات التعليم الإلكتروني ملجأ لا مناص منه، وهذا من شأنه توليد ضغوطات نفسية لدى الأمهات، وحينما نتحدث عن الأمهات العاملات تكون الضغوط مضاعفة فيتجاذبها طرفان أحدهما الأعباء المنزلية، والآخر أعباء العمل.
وعن التخفيف من مستوى الضغوط النفسية والأسرية تقول: "ينبغي أن تفهم جميع الأمهات العاملات أن الجميع يمر بهذه الضغوط، وكلٌّ يحتاج إلى مساحته الخاصة، دائمًا نفسر التوتر أنه رسالة انفعالية تحتاج إلى التعاطف والتفهم، بدلًا من عدّه رسالة هجومية، للأشخاص داخل الأسرة أو إدارة العمل، التركيز على التجارب والخبرات الإيجابية السابقة، لتمد السيدات بجو من الثقة والقدرة على حل المشكلات بمهارة".
وتتابع: "إشاعة جو من الإيجابية والتماسك والتعاون داخل الأسرة وداخل بيئة العمل، وتوضيح الأعباء الملقاة على عاتق المرأة العاملة، وذلك ليتفهم باقي الأفراد تلك الضغوط، وإتاحتهم الوقت والمساحة الكافية لممارسة عملها دون ضغوطات".
وتشير السعايدة إلى أن الأجواء الحالية هي طارئة، لذلك تتطلب مرونة في المعايير والتوقعات والعلاقات، واختيار التوقيت المناسب للمهام، وتشجيع الأطفال والأبناء على تحمل جزء من المسؤولية، وتفادي أن تكون على شكل عقاب.
وتنصح بتقوية العلاقات الأسرية خاصة في أوقات الفراغ، وتنفيذ أنشطة جماعية بهدف الترفيه، وغرس القيم الفاضلة، وإيجاد نماذج إيجابية في حياة الأبناء، والتواصل المستمر مع الهيئة التدريسية مع مراعاة الوقت المناسب، وتعاون أفراد الأسرة -لا سيما الآباء- وتحملهم المسؤولية.
وتدعو السعايدة إلى ممارسة الأنشطة المحببة للذات، والتي من شأنها تعديل المزاج واكتساب اللياقة الذهنية، وترك مساحة خاصة للنفس.
وتطالب الأمهات بإيلاء أنفسهم درجة كافية من الرعاية الذاتية والبحث عن مصادر المتعة في حياتهن، والتأقلم والتكيف مع المستجدات، خصوصًا مع طبيعة العمل والتعليم عن بعد، والمثابرة لمعرفة آخر التطورات والإلمام بها في الحياة اليومية والعملية، واللجوء إلى أصحاب الاختصاص واستشارتهم عند الحاجة إليهم.
وتختم السعايدة حديثها بنصيحة لأصحاب العمل: "الرفق والرأفة بالنساء العاملات وتخفيف الضغوط عنهن وأعباء العمل، وتعزيزهن وتشجيعهن في حال إنجاز المهام".